الخميس، ٢٨ يونيو ٢٠٠٧

حوار مع الحاج متولي -2


بقلم : مصطفى قيسون – مصر

الحاج متولى نموذج لمئات الألوف من المصريين الشرفاء الذين نهلوا من العلم دون معلم ومن الثقافة من غير منهج تحدده المدرسة.. فإن جلست معه واستمعت إليه تشعر أنك أمام عبقرية عباس محمود العقاد الذى لم ينل من التعليم المنهجى المحدود إلا قليلها قبل أن تصبح البلاد (بلد شهادات) والتى إن استعصى عليك إحداها فيمكنك أن تذهب إلى ما وراء البحار حيث الدول التى لا تعترف بالعقل العربى لتعود بشهادة رنانة بقليل من الدولارات!.. إن شخصية الحاج متولى تشبه إلى حد ما شخصية (فلاح كفر الهنادوة) التى ابتدعها الكاتب المحترم الأستاذ أحمد رجب رغم أنى أظلمه فى هذه المقارنة لأنه أستاذ صناعته الكلمة.. إن بلادنا لا تفتقر مطلقا لفلاسفة قد انطلقوا خارج حجرات الدراسة الضيقة إلى أماكن أخرى رحبة تسمى المكتبات! للبحث عن المعرفة أينما وجدت فتنوعت ثقافتهم وتشكلت معارفهم.. أما ذرية الحاج متولى فهي الأخرى نماذج حية نجدها فى مجتمعنا بالآلاف رغم فيضان الفساد الذى شمل كل شئ حتى وصل إلى المعتقدات!..

وقبل أن أسلط المزيد من الضوء على شخصية الحاج متولى صاحب مقهى السلام حتى لا يرميه أحد المعلقين الأفاضل بما لا يليق من الوصف ولا يتناسب مطلقا مع هذه الشخصية الفذة كما لا يليق بصاحب التعليق أود اقتباس بعض التعليقات لأعطى الرجل فرصته للرد دون ذكر أسماء أصحابها منعا للحساسية والإنفلات الغير محسوب وكما يقولون "كل إناء ينضح بما فيه" ولو أنى أرى أكثر الأوانى فارغة وليس بها ما يمكن نضحه!:
أنا: جاء فى تعليق أحد الأخوة: "وما أحوجنا إلى مرآة نرى بها عيوبنا وأخطاءنا ونواقصنا ولو كانت مشتراة من ذلك البائع القاطن على نفس الرصيف الذي نقيم عليه أكشاكنا الثقافية والفكرية ولتحاول جماعة (هذا إسلامنا) وجماعة (تحسين صورة الإسلام) وجماعة (تحسين صورة العبيد) فضلا عن جماعة (مقاطعة الإنسولين الدانماركي) أن تمنح نفسها وتمنحنا إجازة طوعية ومهلة للتأمل والتقاط الأنفاس والنظر في تلك المرآة التي لا تساوى إلا جنيها واحدا ولكنها من الناحية العملية تساوي الكثير علنا نعرف السبب وراء وضعنا على لائحة الشعوب البدائية المتخلفة بدلا من الإصرار على مواصلة حملاتنا الإيمانية دفاعا عن صورة الإسلام"!.. ما رأيك يا حاج متولى؟!
الحاج: إسمح لى يا أستاذ أن أجرى أكثر الحوار بالفصحى فمن خلال حوارنا السابق بالعامية قد ظن البعض أنى رجل قد عمته الجهالة!.. إن (المرآة) خليقة بالملوك والسلاطين من أمثال خوفو وخفرع ومنقرع وأخناتون فهي تناسبهم كي يروا طلعتهم البهية.. أما نحن فنرى بقلوبنا قبل عقولنا فيناسبنا (الغربال) لتصفية الكلام من الشوائب فنأخذ ما يتفق مع العقل ويزكيه الدين ونرفض الكلام الماسخ الذى لا يقره منطق والماسح للقيم النبيلة.. وعن الغربال يقولون "اللى مايشوفش من الغربال يكون أعمى"!.. فهل نضع السلاح حتى ولو بالكلمة أو بالمقاطعة دفاعا عن إسلامنا ضد هذه الهجمة الشرسة فى كل مكان؟!
أنا: فى تعليق آخر يا حاج متولى قال أحد الأفاضل: "المره دي الحاج متولي عامل دماغ صحيح وبيتكلم صح الصح .. ياريت تقول لنا قهوة الحاج متولي دي فين ..يمكن الواحد يقابل فيها الاستاذ مخ ويعرف منه مصادره .. ويتنور بكلام الحاج متولي ونعرف رأيه بالكامل .."
الحاج: ألتمس العذر لمن كتب هذا التعليق فهو لم تتاح له الفرصة أن يجلس مع شخصيات لها ثقلها من أمثال نجيب محفوظ الذى كان يتخذ مقهى فى قاهرة المعز صالونا له يتجمع حوله الكتاب والنقاد والمثقفون قبل تحويل المقهى إلى مجموعة محلات فى هذا الزمن الردئ!.. لم يكن يقدم فى هذا المقهى غير المشروبات الحلال التى تتفق مع الدين والأخلاق.. فإن كان (المقهى) يرتبط فى ذهن الأخ المعلق بعمل (دماغ) فهذا ما يسمونه فى علم النفس بالإسقاط واجترار ما بالعقل الباطن من تجارب سابقة!.. ورغم أنه قد أساء التعبير لكنى أناديه بالأخ فكلنا من آدم وآدم من تراب..
أنا: لعلى أجد عند الحاج متولى تفسيرا لتعليق أحد الأخوة والذى أقتبسه كما هو بحروفه: "انصحك يا مصرى يا حدق قوى زى مخلل الحاج متولى واباليسه الكتير اليومين دول.ان تتجرع كوب عصير محلى بذباب البخارى .ومتنساش تقلبه كويس علشان الدواء يعمل مفعوله فى كرشك الكبير.قبل تنام بعد اكلتك المفضله التى ذكرتها فى تعليقك.ولتعلم ان القرآنيين لا يأكلون إلا طيبا(ويتأسون بقرآن ربهم ) ويتخذوا من قصصه العبر حتى فى الآكل .ولتتذكر قول الله تعالى عن اصحاب الكهف.فلينظر ايها اذكى طعامافليأتكم برزق منه).اما عن خلطتك فهى مناسبة لك ولآمثالك ممن يعبدون البخارى وذبابه وبعوضه."
الحاج: هل أنت متأكد أن هذا التعليق قد كتبه أحد المثقفين على جريدة تعتنى بالرأي؟!
أنا: نعم.. هذا نص التعليق!
الحاج: رغم أن الشك ما زال يساورنى وأن هذه الكلمات لا يمكن أن تصدر عن إنسان مثقف فربما قد كتبه أحد غير مسئول وقد انتحل إسما مسلما بالثلاثة!.. فإنى أستطيع أن أجزم أن التعليق قد كتب بيد مرتعشة من شدة الإنفعال وأن لوحة المفاتيح كانت تئن تحت الأصابع.. فلتنظر إلى بعض الأحرف كيف كتبت والنقطة التى وضعت فى بداية كل جملة وليست فى نهايتها والقوس الذى أغلق دون فتح!.. ثم أنى لا أجد ثمة علاقة بين ما كتبه الأخ المحترم وما جاء فى المقال من حوار.. وإنى أناديه أيضا بالأخ فكلنا أبناء آدم منذ وجد على الأرض هابيل وقابيل!.. إننى لن أغضب فيما صدر منه من صفات سيئة لشخصى لكن غضبى من أجل التطاول على الإمام البخارى رحمه الله.. فإن كان يتأسى كما قال بالقرآن فليس ذلك من خلق القرآن حيث جاء فى محكم آياته "ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم".. والآية تحذرنا بألا نسب "الذين يدعون من دون الله" ما بالك بمن يدعو لله!.. وإن كان الأخ المحترم يعترف بالأحاديث التى وردت عن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم إذ قال "لا تسبوا الأموات فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا".. وقال أيضا "لا تسبوا الأموات فتؤذوا الأحياء" فنحن قد أصابنا الأذى لما للإمام البخارى فى نفوسنا من تقدير واحترام على ما بذل من جهد يثاب عليه فى جمع الأحاديث..
أما إذا كان الأخ المحترم يرفض ما ورد من أحاديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم لشكه فيها ولازال قلبه مغلقا مع تمنياتنا له بالهداية فإنى أرى من المناسب أن أقرأ عليه من الإنجيل من أقوال سيدنا عيسى عليه السلام إذ قال "لا تكنزوا لكم كنوزا على الأرض حيث يفسد السوس والصدأ وحيث ينقب السارقون ويسرقون بل اكنزوا لكم كنوزا فى السماء حيث لا سوس ولا صدأ ولا لصوص وحيث يكون الكنز يكون القلب".. وقال أيضا "لا حاجة بالأصحاء إلى طبيب وإنما المرضى يحتاجون إلى الأطباء!".. كما قال "بالكيل الذى تكيلون يكال لكم!"
ومع احترامى الشديد لوصف الأخ الفاضل لنفسه بأنه من القرآنيين فنحن أيضا قد اتخذنا القرآن دستورا ولم نكن يوما من الهندوس!..
أنا: من الأخوة الأفاضل من وجه إلينا اللوم فى تعليقه: "وأنا لا أريد أن أعد مرات التكفير والأستهزاء والإستخفاف بالآخر فى مقال سيادتك لأن هذه الأمور لا ثؤثر فينا على الإطلاق بل هى فى صالحنا ولكن ذكرها فقط لتبيان حقنا الشرعي والقانوني في الرد بالمثل. أستاذنا العزيز أنت لك ثوابت وتدعو الناس إليها فماذا لو أكتشفت أن بعض هذه الثوابت تخالف صريح القرآن"
الحاج: لا يمكن أن نسمح لأنفسنا أن نكفر من شهد أن "لا إله إلا الله" وأن "محمدا رسول الله".. إن الأخ الفاضل الذى قال ذلك قد غفل عن بعض الحوار حيث كنت فى حوارى أدلل على أن الكفار فى بدء الدعوة قد أشاعوا بأن الرسول يكتب الآيات مثلما أشاعوا أنه شاعر وأنه ساحر.. أما عن الثوابت التى ذكرها الأخ الفاضل فهي لا تخالف ما جاء فى القرآن الكريم بل تتفق تماما مع آياته البينات غير أن تفسير بعض الآيات هو الذى أوجد هذا الإختلاف عند البعض..
أنا: إليك يا حاج متولى تعليقا من كاتب له تقديره واحترامه جعلنى أجزم أننا ما زلنا بخير: "أنا مثلك أثق بعقل الحج متولي صديقك لأني أثق بعقل الانسان الذي كرمه به الله وخاطبه وجعله مناط التكليف ، لكني كنت أتمنى عليك أن تطرح عليه كامل حجة القائلين بأنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ ويكتب وأن لا تعرضها عليه مجزوءة من إطارها. يعني ماذا كان سيحدث لو تفضلت بقراءة مقال الدكتور أحمد منصور عليه كاملا حتى يتسنى له سماع رأيه كاملا ثم نسمع رأيه ونناقشه؟"
الحاج: إنى أحترم رأي الأخ الفاضل الذى علق بهذا الكلام وأرى أن تعليقه يتصل بما كتبنا ويتصف بالحوار الحضاري الذى أحييه عليه.. لقد قرأت ما كتبه الدكتور منصور وما أورده من حجج نحو أمية الرسول صلى الله عليه وسلم.. لكن فى المقابل نجد الحجة التى لا يساورنا فيها شك عند آخرين محل ثقتنا بأن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم كان لا يقرأ ولا يكتب وهذا هو الإعجاز وسنعاود عرض آراء من نثق فى كتاباتهم فى وقت لاحق بعون الله.
... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
وللحديث بقية إن شاء الله

ليست هناك تعليقات: